السبت، 26 يناير 2008

تحطيم جدار غزة، عنف سياسي مبرر وحكيم.


مدونة أخبار وتعليقات، http://www.newsc.blogspot.com/
السبت، 26 كانون الثاني/يناير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 6:08 صباحا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

تحطيم جدار غزة، عنف سياسي مبرر وحكيم.

بقلم: ألان نيرن

من الواضح أن تحطيم الجدار الذي يفصل غزة عن مصر، هو أمر حسن، ومثال نادر على الاستخدام الأخلاقي (والحكيم) للعنف في السياسة. (للاطلاع على منطق الحصار الإسرائيلي على غزة وآثاره، انظر المادة المنشورة في 7 كانون الأول/ديسمبر 2007 بعنوان "فرض الجوع على غزة، الجيش في أندونيسا. أسئلة حول المنطق والنشاط السياسي").

معظم العنف السياسي يتألف من أخطاء واضحة، مثل القتل أو الحرب غير المبررة، ولكن أحيانا فإن بعض العنف مبرر كملجأ أخير، وهذا أمر مثير للحزن والتقزز، وأحيانا (وكفئة من صنف هذا العنف المذكور) فإن بعض هذا العنف المبرر هو عنف حكيم من الناحية ا لتكتيكية.

حالما تبتعد عن إطار القتل والجرائم في الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإن بعض الخيارات المتعلقة بما إذا كان بعض العنف مشروعا، هي خيارات صعبة وقابلة للجدال.

ولكن مسألة تحطيم جدار غزة كانت مسألة يسيرة من هذه الناحية: فلم يقتل أي أحد، وربما تم إنقاذ أناس من القتل، كما أن الحجم الهائل لخروج الناس إلى مصر سلط الضوء من الناحية الفعلية على هذا الظلم الهائل.

من المفارقة أن هذا الأمر قد تم (ولم يتحدد بعد على أي مستوى) من قبل أو مناصري حماس أو بعضهم، كون هذه الحركة كانت باعتقادي لا أخلاقية وإجرامية وتتصرف بغباء من الناحية التكتيكية بسبب ما قامت به من تفجيرات ضد المدنيين الإسرائيليين، وبالتالي فإنها حولت المقموعين إلى قامعين وحولت بعض الضحايا إلى مجرمين فعليين.

ولكن هذا الاستخدام العنف (الموجه ضد طوب في حائط) كان تصرفا صائبا ومبدعا. وعلى الرغم من أسطورة الاستخبارات الإسرائيلية التي تعلم جميع ما يجري، فلا بد أن بعض القتلة في جيش الدفاع الإسرائيلي/ الشين بيت/ الموساد/ مجلس الوزراء قد ذهلوا مما جرى، واهتزوا بصفة مؤقتة.

لقد كان هذا الأمر هو أول تحرك فلسطيني كبير وذكي منذ انتفاضة الحجارة بين داؤود وجوليات التي حدثت قبل عشرين عاما، والتي وقف فيها راشقو الحجارة الفتيان ضد الدبابات الإسرائيلية والجنود الإسرائيليين الذين يرتدون سترات واقية للرصاص، وكشفوا بذلك عن الاحتلال، ووضعوا النظام الإسرائيلي في موقف استدفاعي. (ولكنها لم تستمر لفترة تكفي كي تؤدي إلى نتائج. فقد قتلها رابين وعرفان الحائزان على جائزة نوبل للسلام؛ رابين بتكسير العظام إذ كانت أوامره "القوة، والجبروت، والضرب"، مما جعل إسرائيل تبدو أسوأ لفترة محددة، ولكن حينها قام عرفات بإسكات الفتيان الذين كانوا يحققون انتصارا دون موافقته).

من الواضح أن صحيفة "واشنطن بوست" المسكينة كانت مذهولة بتحطيم الجدار في غزة. فقد تصاغرت إلى درجة أن اتهمت حماس "باستغلال الإغلاق الإسرائيلي المؤقت لإمدادات الوقود" – أي إعلام الناس حول أمر الإغلاق (إلا ينبغي أن تعمل الصحف على تشجيع ذلك؟)، وأعربت الصحيفة عن انشغالها من هذا الوضع البائس (في حال قبلنا بمنطقها) وكأنها تدعم حرمان لاجئي دارفور من حقوقهم. (مقال في صحيفة "واشنطن بوست" بعنوان : "إذ يعبر آلاف الفلسطينيون الحدود إلى مصر، حماس تسد طريق السلام"، 24 كانون الثاني/يناير 2008).

طرحت صحيفة "واشنطن بوست" تساؤلا من باب اللغو: "أكان السيد مبارك سيسمح لعشرات الآلاف من لاجئي دارفور أن يدخلوا مصر من السودان بصفة غير مشروعة، حيث تجري حاليا أزمة إنسانية حقيقية؟" والإجابة المتوقعة من القارئ الواقعي، وهي إجابة مخزية (لمبارك)، هي "لا"، وبالتالي طالبت الصحفية من مبارك تطبيق المعيار المخزي ذاته بإن يمنع سكان غزة الذين دخلوا مصر دون دعوة.

ولهذا، فمن أجل إبقاء الفلسطينيين خارجا (أو بصفة أدق إبقائهم محتجزين)، فإنك تبدو مستعدا لمنع سكان دارفور أيضا!

إنك عندما تصل إلى حجة مثل هذه، فهذا يدل على أن حجة الجانب الذي تدعمه هي حجة واهنة.

إذا، ما الذي سيحدث إذا قرر بعض الفلسطينيين تحطيم جدار الضفة الغربية أيضا؟ لنقل، إذا توجه عشرات آلاف الفتيان في فجر أحد الأيام نحو الجدار حاملين فؤوس ومعاول؟

فهل سيقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بتحطيم الناس كي ينقذوا الإسمنت؟

ممكن تماما.

فهم يشعرون بأن من حقهم القيام بذلك.

مرة من المرات، قال وزير العدل حاييم رامون، "يحق لنا تدمير كل شيء" (مقال غيدون ليفي، "أحمدي نجاد الصغير"، هاآريتز، 6 تشرين أول/أكتوبر 2007)، وكان حينها يتحدث الحرب على لبنان في عام 2006 (التي بلغ عدد القتلى فيها 1000 مدني لبناني، و 40 مدني إسرائيلي، و4 ملايين قنيبلة متبقية من القنابل العنقودية التي أغلبها مصنوع في أمريكا نشرها جيش الدفاع الإسرائيلي في جنوب لبنان)، من الممكن أيضا أن ما قالها حينها ينطبق على الفلسفة الأخلاقية/الإجرامية للمؤسسات الأمريكية/الإسرائيلية الحالية، وجزء كبير من المجتمعين الأمريكي والإسرائيلي (عندما يتعلق الأمر بإسرائيل).

ولكن إذ فتح الإسرائيليون النار على الفلسطينيين المتوجهين نحو الجدار، فإن التاريخ الإسرائيلي-الفلسطيني سيبدأ من جديد، وعلى الرغم من أن العديد من الفلسطينيين سيقتلون في هذه الحالة، كما هو معتاد، فهذه المرة لن يموتوا دون طائل، إذ سيرى العالم (بما في ذلك الولايات المتحدة) من يقمع من.

ومن باب الصدفة أن صحيفة هاآريتز، وهي من أبرز الصحف الإسرائيلية، أوردت مؤخرا نقدا محكما للتبرير الأمني للعوائق الإسرائيلية الهائلة التي تحيط بقرى الضفة الغربية، والتي تشكل نظاما معقدا لا يمثل الجدار فيه سوى التجلي الأخير والأضخم حجما.

إن السبب المعلن لتلك العوائق التي تبطء حركة الفلسطينيين وتضطرهم أن يسلكوا طرقا بديلة، وتؤدي إلى موتهم في سيارات الإسعاف، هو منع المفجرين الانتحاريين من شن هجمات، وهذا السبب بحد ذاته سبب وجيه.

ولكن تقارير صحيفة هاآريتز وجدت، ومما يثير الاستغرب، أن 475 حاجزا من الحواجز التي يبلغ عددها 572 لا يحرسها جنود، ثم طرحت السؤال المنطقي: ماذا؟ المهاجمون الانتحاريون لا يستطيعون المرور من هنا؟ ألا يستطيعون تجاوز العوائق التي لا يحرسها جنود والتي تمنع الناس العاديين من المرور (وسيارات الإسعاف)؟

وتوصل تحليل صحيفة هاآرايتز إلى الاستنتاج المعقول بإن احتجاز الفلسطينيين يخدم غرضا آخرا:

"هل يعتقد أي شخص بأن السواتر الترابية أو الخنادق أو الجدران الاسمنتية يمكنها أن تمنع الإرهابيين من التحرك؟ وهل تخدم تلك العوائق أي غرض سوى أن ترهق حياة الفلسطينيين؟ لا شك أن المرضى والمسنين والنساء الحوامل والناس الذين يحملون أكياس التسوق يجدون صعوبة كبيرة في الدخول والخروج من بلداتهم وقراهم المحاصرة. بل أن كلا من منظمة بتسيلم وأطباء لحقوق الإنسان وثقتا حالات لأشخاص مرضى لم يتمكنوا من تلقي العلاج لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى أطبائهم وعياداتهم – في حين أن أي شخص يخطط لعملية إرهابية يمكنه بسهولة أن يتسلق فوق السواتر الترابية، والخنادق، والالتفاف حول العوائق ..."

ويواصل الكاتب دانيل غافرون، "لم يعرض أي شخص ممن تحدثت معهم تفسيرا عسكريا مقنعا لوجود الحواجز التي لا يحرسها جنود. بل إن الأشخاص المطلعين على طبيعة التفكير العسكري لإسرائيل أقنعوني أن الغرض من هذه العوائق هو تفتيت المناطق، وبالتالي منع إقامة ’الدولة الفلسطينية المتصلة‘ التي نادى بها الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخرا. لا شيء من الأشياء التي سمعتها أقنعني بأن وجود الحواجز التي لا يحرسها جنود تحسن الوضع الأمني لإسرائيل، أو حتى المستوطنين اليهود في المناطق". (مقال للكاتب دانيال غافرون، بعنوان "فلنبدأ بالحواجز التي لا يحرسها جنود!"، هاأريتز، 23 كانون الأول/ديسمبر 2007، ويشير المقال أيضا للتقارير التي أوردتها هاآريتز قبل ذلك).

وكما أشارت المراسلة الصحفية الإسرائيلية المخضرمة، أميرا هاس، يبدو هناك عوامل أخرى كامنة خلف الانخفاض في عمليات التفجير، لا علاقة لها بالجدار/العائق؛ فعلى المرء أن ينظر إلى الفسلطينيين الذين يتمكنون من اجتياز الجدار مشيا على الأقدام، (انظر مقال إميرا هاس، "إين ذهب المهاجمون الانتحاريون؟"، كانون الأول/ديسمبر 2007 Kibosh.co.il، ترجمه إلى العبرية جورج مالينت. تشير أميرا هاس إلى أن بعض الفلسطينيين المضطرين للعمل، يدخلون خلسة إلى إسرائيل عبر الجدار. فإذا كان بإمكانهم القيام بذلك، فلا بد أنه يمكن للمهاجمين الانتحاريين الدخول أيضا إذا رغبوا بذلك شخصيا أو سياسيا.

وعلى أية حال، فإن المستوطنين والاحتلال هي أمور غير قانونية، حالها حال الجدار، وذلك وفقا للمحكمة الدولية—ومن غير الغريب أن الفلسطينيين يعارضونها جميعها—فلذلك فإن أفضل حل أمني للوضع هو إزاله هذه الأمور.

ولكن يبدو أن النظام الإسرائيلي يريد توترات دائمة للحرب. فالحرب تحافظ الآن على ثقافتها السياسية.

حسنا إذا، يمكنهم أن يحصلوا على أي شيء يريدونه.

ولكن ليس لهم الحق بفرضه.

ولا الفلسطينيين أيضا، فليس لهم سوى حق بحقوقهم.

وكون أحد هذه الحقوق هو تحطيم ذلك الجدار، والسيد أولمرت لا يريد تحطيمه، فربما يمكن لبعض الفتيان الفلسطينيين أن يفعلوا ذلك له.

ويمكنه أن يقابلهم فجرا، عند الجدار.

أخبروه أن يحضر معه معولا.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.
نشر ألان نيرن في الساعة 6:08 صباحا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

Email Me

الأحد، 13 يناير 2008

الجنرال الأندونيسي سوهارتو: رجل صغير واحد يترك في أعقابه ملايين الجثث


مدونة أخبار وتعليقات،
الأحد، 13 كانون الثاني/يناير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 9:56 مساء (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

الجنرال الأندونيسي سوهارتو: رجل صغير واحد يترك في أعقابه ملايين الجثث

بقلم: ألان نيرن

تقول التقارير الإخبارية أن صحة الجنرال الأندونيسي سوهارتو تتدهور بسرعة

ولهذا، عندما وصلت للبلاد بدأت أسأل الناس حول شعورهم بشأن قاتهلم الذي ينتظر الموت. (عدد ضحايا يزيد عن مليون إنسان، معظمهم من المدنيين).

الرجل الأول الذي قابلته، بالقرب من كشك يبيع القوة والأرز، حيث كانت الإذاعة تورد نبأ اقتراب وفاته، قال "هذا حسن جدا" وابتسم. الناس الذين أعرفهم هناك لم يزعجوا أنفسهم بذكر الموضوع، على الرغم من معرفتهم بمتابعتي للسياسة.

وفي السوق، عندما انتهت إحدى البائعات من سرد أمراضها التي نتجت عن سنوات طويلة من العمل، قالت عندما سألتها عن سوهارتو، "سوهارتو؟ لقد أكل الكثير من المال، لقد امتلأ تماما. لقد أكل كثيرا جدا ولم يبق شيئا للآخرين كي يأكلوا". ثم بدأت تضحك على النكتة التي ابتدعتها، وضحك جميع الحاضرين. لا شك أن فترة الحداد سوف تنتهي قبل موعد وجبة الغداء.

في عام 1993، قالت صحيفة نيويورك تايمز بعد المذبحة التي حدثت في تيمور الشرقية إن سوهارتو "أدار البلاد بابتسامة أبوية وقبضة حديدية" وندبت الصحيفة أن "إنجازاته غير معروفة على نطاق واسع في الخارج" (فيليب شينون، مقال بعنوان "العملاق الخفي—تقرير خاص: أندونيسيا تحسن حياة العديدين ولكن ظل السياسة ما زال مخيما" صحيفة نيويورك تايمز، 27 آب/أغسطس 1993).

أما على أرض الواقع، في أندونيسا، كان سوهارتو مرئيا بوضوح كرجل صغير من ناحية، وكشر مستطير من ناحية أخرى.

يمكنك أن تتحدث هناك عن الفساد، ولكن لا يجوز ذكر الجرائم. وعليك أن تعمل جاهدا حتى تنساها. وقد ساعدت الحكومة من خلال قوانين "للبيئة النظيفة" حظرت على الناجين إجراء اتصالات اجتماعية، استنادا إلى نظرية مفادها إنهم إذا تواصلوا مع الآخرين فقد تؤدي ذكرياتهم إلى تلويث المجتمع.

وصفت لي امرأة مسنة يوما بعد أن ألححت عليها الجثث التي رأتها تطفو على الأنهار في سومطرة.

ولكن، وكقاعدة عامة، الناس لا يحبون الحديث عن الفظائع التي ارتكبها سوهارتو. الفظائع التي وصفها جيمس ريستون في صحيفة نيويورك تايمز بأنه "شعاع من الضوء في آسيا" (19 حزيران/يونيو 1966)، والتي وصفتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي شاركت في الجرائم "إحدى أسوأ عمليات القتل الجماعي في القرن العشرين).

ومن المفارقة، أن ما هو محظور الحديث فيه على المستوى الرسمي، هو موضوع الفساد.

في عام 1998، تم التحقيق معي في أندونيسيا بعد أن نظمت مؤتمر صحفي حول المساعدات السرية التي كانت تقدمها إدارة بيل كلينتون إلى سوهارتو (بما في ذلك بنادق للقناصين)، وبدأ رجل من نظام سوهارتو يقرأ الملف الذي يحفظونه بشأني، وكان بعضه دقيقا على درجة أثارت قلقي، وبعضه سخيف جدا.

سألني المحقق عن آرائي السياسية، فألقيت عليه خطابا حول المذابح وعن رأيي أنه ينبغي أن يشترك كلنتون وسوهاتو في زنزانة واحدة. بدت على الرجل مظاهر الملل، ولكنني بعد ذلك بدأت أتحدث عن الفساد. وفجأة شعر بالإهانة والغضب، فاستقام في جلسته وقال: "ماذا تعني بقولك حول وجود فساد؟"

كان رد فعل معقول نظرا لأن هذا الموضوع كان مطروحا على المستوى الشعبي، ولذلك فقد كان موضوعا خطرا. كان من المفترض من البيروقراطيين ألا يتحدثوا عن الموضوع، فقد كانت تصلهم المغلفات المملوئة بالنقود بصفة هادئة.

ولكن المذابح؟ لم يكن من المرجح أن تثير اهتماما بحسب رأي أنصار سوهارتو.

في الحقيقة، يمكن للناجين من المذابح أن يكونوا أنانيين أحيانا، وأن ينسوا الموتى ويبدأوا بتقبيل القتلة، وخصوصا إذا تواصل تنفيذ الرعب بذكاء. إن السيطرة القسرية على الفكر ممكنة أحيانا.

عندما يذهب سوهارتو، لن يكون هناك دموع لوداعه في الأماكن التي أعرفها، ولكن قد يبكي عليه البعض في الولايات المتحدة.

فهناك، تطورت مدرسة فكرة تعتقد أن سوهاتو جيد على الرغم من وجود مشاكل في مجال "حقوق الإنسان"، إذ أن الإحصاءات الرسمية تظهر تناميا مضطردا في الناتج المحلي الإجمالي.

إن مؤيديه يعدون أنفسهم من المعادين المتشددين للشيوعية، ولكنهم امتصوا بعض ضروب التفكير التي كانت تسود صحيفة برافدا، إذ أن الحجة التي يطرحونها، هي ذات الحجة التي استخدمت لتبرير حكم ستالين.

ولكن حينما تجمع الناس الناحلين وقصار القامة قرب معبر بيلاوان البحري للذهاب إلى ماليزيا، فقد يقولون لك أن المذابح التي ارتكبها العم سوهارتو، على العكس من مذابح العم جوزيف ستالين، لم تقد أندونيسيا إلى مستوى جديد.

البلدان المجاورة التي بدأت مسيرتها على قدم المساواة مع أندونيسا في مرحلة التنمية، تجاوزت ما خلفه نظام سوهارتو بمراحل عديدة، ولذلك تجد الأندونيسيين يغادرون بلادهم سعيا للعمل وأحيانا يتنازلون عن كرامتهم من أجل لقمة عيش أولادهم.

السؤال المهم لا يتعلق بسبب تلطف الراعين الأجانب بتبرير الجرائم (فالجواب الرئيسي: أن لا أحد يحاسبهم)، بل لماذ يسمح الناس المحليين في أماكن عديدة لرجل واحد صغير أن ينهض فوقهم؟

هذا سؤال معقد، سنتناوله في يوم آخر. ولكن الآن، ثمة عدد من الناس هنا مشغولون بالذكرة السنوية لمقتل شخص آخر أكبر بكثير .... سيدة مدفونة في حقل للأغنام، شهدت العديد من المذابح، امرأة مضيئة ورائعة وعظيمة.

لو كانا قد التقيا، هي وسوهارتو، لكان من الممكن أن يطلب منها سوهارتو أن تنظف بلاط بيته (وأؤكد لكم أنها ما كانت ستقبل).

ولكن، حتى هي، على الرغم من كتفيها القويين، ما كان بإمكانها أن تمسح كل تلك الدماء.

فهذه مهمة المجتمع بأكمله، بعد أن يدان سوهارتو ويذهب طي النسيان.

عندها سيتعين عليهم أن يجتمعوا ويحافظوا على بلاطهم نظيفا.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

Email Me

الأربعاء، 2 يناير 2008

نتيجة الانتخابات الأمريكية تقررت سلفا، فقد فاز القتل والوفيات التي يمكن منعها.


مدونة أخبار وتعليقات،
الأربعاء، 2 كانون الثاني/يناير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 10:10 مساء (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

نتيجة الانتخابات الأمريكية تقررت سلفا، فقد فاز القتل والوفيات التي يمكن منعها.

بقلم: ألان نيرن

تورد الصحافة الأمريكية أن النظام السياسي الأمريكي سيبدأ يوم الخميس عملية اختيار الرئيس المقبل للولايات المتحدة.

ولكن هذا الأمر غير صحيح.

فالعملية تمت إلى حد بعيد وانتهى الأمر، إذ أننا نعرف بأن الرئيس المقبل سيكون على الأغلب واحدا من بين أحد عشر شخصا ثريا، وكل منهم يتبنى مواقفا (إذا تم تطبيقها) ستؤدي ربما إلى قتل أحد عشر مليون شخص فقير.

المرشحون الذين يتملكون فرصة في النجاح (بلومبرغ، وكلنتون، وإدواردز، وجولياني، وغور، وهاكابي، وماكين، وأوباما، ورايس، ورومني، وتومبسون) يختلفون فيما بينهم في العديد من النواحي، بما في ذلك اختلاف في عدد القتلى الذين من المرجح أن يتركوا في أعقابهم، كما يختلفون فيما إذا كانوا قد يسروا خلال مسيرتهم حدوث جرائم القتل بالرصاص (بلومبرغ، هاكابي، ورومني قد لا يكونوا يسروا ذلك لغاية الآن لأنهم لم يحتلوا حتى الآن مناصب في الحكومة الفدرالية).

ولكنهم جميعا يعارضون فرض قوانين القتل بطريقة عادلة، وجمعهم عارضوا توفير مال كافي الآن لمنع جميع حالات الموت التي يمكن منعها.

هذه الأهداف ينبغي ألا تكون أهدافا خلافية. فمعظم الأشخاص الصالحين سوف يدعمونها. وحتى حكام الولايات المتحدة أنفسهم عادة ما يدعمونها – وإن يكن على الورق فحسب، وليس عن مبدأ.

فيما يخص جرائم القتل، قال الرئيس بوش أمام الأمم المتحدة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2001، "يجب أن نتحد في مكافحة جميع الإرهابيين، وليس فقط بعضهم ... فليس لأي طموح وطني، ولا أية مظالم في الذاكرة، أن تبرر أبدا قتل الأبرياء ... إن حلفاء الإرهاب مذنبون بصفة متساوية بجرائم القتل وهم مسؤولون بالنحو ذاته أمام العدالة".

ولكن بينما كان بوش يتحدث، كان يجلس بين المستمعين وضمن الوفد الذي يترأسه بوش، إليوت أبرامز الذي كان وما يزال أحد كبار صانعي السياسة في إدارة بوش حول إسرائيل/فلسطين، والذي أدار خلال عقد الثمانينات الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لعمليات القتل الإرهابية ضد المدنيين في غواتيمالا والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا (حيث استهدف المعتدون "الأهداف الرقيقة" مثل التعاونيات الزراعية، بحسب وصف الجنرال الأمريكي جون غالفين).

ومع ذلك لم ينهي الرئيس خطابه بالطلب من جهاز الأمن في الأمم المتحدة أن يضع الأصفاد بيدي السيد أبرامز.

كما لم يتوجه الرئيس بوش إلى مديرية الشرطة في مدينة نيويورك كي يسلم نفسه بسبب ما كان يحدث في تلك اللحظة بالضبط من قصف للقرى الأفغانية، أو بسبب تسليح وتدريب وتمويل أنظمة الحكم في عشرات من البلدان الحليفة للولايات المتحدة في شتى أنحاء العالم الذين اعتادوا على قتل الأبرياء.

وما كان أي من المرشحين المحتملين لمنصب رئيس الولايات المتحدة سيتصرف بطريقة مختلفة.

فجميعهم دعموا اجتياح أفغانستان (رغم الاختلافات بينهم فيما يخص العراق)، كما لم يرفض أي منهم الممارسة الأمريكية الروتينية بتقديم الدعم سنويا للأنظمة المجرمة (مرر الكونغرس لتوه قانوني مخصصات كبيرة لعمليات الدفاع والخارجية، ويتضمنان تقديم دعم فتاك لكولمبيا والسعودية ومصر وإسرائيل والعراق والكونغو وباكستان وأندونيسيا ودول أخرى عديدة)، وكذلك (وهذا أمر مهم جدا) لم يطالب أي منهم بمحاكمة المسؤولين الأمريكيين بسبب تلك الأعمال وما يشابهها.

وتماثل ذلك قصة حالات الموت التي يمكن منعها. فالولايات المتحدة تعارض أية إجراءات جدية في هذا الشأن، رغم وجود مساعدات غذائية وبرامج للصحة العالمية، كما أن بيل كلنتون أنشأ مؤسسة تقوم بإنقاذ حياة بعض الناس (إضافة إلى أن هذه المؤسسة تعمل كوسيط لتمرير أموال التبرعات الكبيرة لأسرة كلنتون).

ولكن القيام بالخطوة السهلة من الناحية النظرية بتحويل قدر كافي من الثروة من أجل إيقاف الجوع، وإيقاف الأطفال من الموت بسبب الإسهال في أي مكان في العالم، فهذا أمر لم يطالب به أي من المرشحين المحتملين للرئاسة.

وإذا رغبت الولايات المتحدة بتحقيق تلك الأهداف لكانت قد حققتها، ولكان ملايين الأشخاص الذين ماتوا ما زالوا على قيد الحياة الآن. ولكن الولايات المتحدة لم ترغب بتحقيقها أكان ذلك خلال إدارات الرؤساء الجمهوريين أو خلال رئاسة كلنتون/غور.

بل لو رغب مايكل بلومبرغ شخصيا بتحقيق ذلك، لكان الأطفال الذين ماتوا بسبب سوء التغذية خلال العام الماضي ويبلغ عددهم خمسة ملايين تقريبا، قد حصلوا على الطعام وظلوا أحياءا، وذلك من مال بلومبرغ شخصيا، إذ أنه يملك ما يقدر بـ 11 ونصف مليار دولار بحسب أرقام مجلة فوربز.

هذه هي الديمقراطية في إمريكا.

يحق لك أن تدلي بصوتك، ولكن لا يتوفر لديك خيار، على الأقل إذا كنت ترغب بالتصويت ضد القتل ومن أجل الإبقاء على حياة الأطفال الجياع.

لا يوجد خيار إلا إذا قمت أن بفرض الخيار. وما يزال الأمريكيون لم يحصلوا على هذا الخيار.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

Email Me