الخميس، 9 يوليو 2009

انتخابات طبيعية، ولكن بالحد الأدنى من الخيارات

مدونة أخبار وتعليقات، http://www.allannairn.com/
الأربعاء، 8 تموز/يوليو 2009
الساعة 1:26 بعد الظهر (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

انتخابات طبيعية، ولكن بالحد الأدنى من الخيارات

بقلم: ألان نيرن

في تغطيتها للانتخابات في أندونيسيا، عنونت صحيفة "إنترناشنال هيرالد تريبيون" مقالها حول هذا الموضوع بعبارة "انتخابات طبيعية جديرة بالفخر". لكن هذه الانتخابات تضمنت حداً أدنى من الخيارات، كما يحدث عادة في معظم البلدان (الصحفي جاكوب رامزي، "انتخابات طبيعية جديرة بالفخر"، صحيفة إنترناشنال هيرالد تيبيون"، 8 تموز/يوليو 2009).

كانت هذه الانتخابات في واقع الأمر خيارا بين ثلاثة جنرالات من عهد سوهارتوا كل منهم مسؤولا عن أعمال قتل جماعية هائلة (وجميعهم رعتهم أمريكا)، حتى أن أحدهم يجسد ما يقارب الدكتاتورية الفاشية. وقد صوت الناس للجنرال الذي على رأس السلطة حاليا، الجنرال سوسيلو، كونه ألطف الثلاثة وأقل إثارة للرعب من الآخرين.

ولكن كان من المستحيل التصويت من خلال ورقة الاقتراع للفقراء أو التصويت ضد قتل المدنيين، لأن أي من المرشحين لم يتخذ أي موقف من هذا القضايا، لا سيما وأن المؤسسة الحاكمة قامت بالتحقق سلفا من ولاء من سمحت لهم بترشيح أنفسهم. ولذلك فقد كان جميع المرشحين يمثلون الأغنياء والقتلة.

لقد حاز الجنرال سوسيلو على تأييد معظم الجيش والأغنياء، ولذلك فقد توفر له القدر الأكبر من الدعاية الإعلامية وأكثر الأموال للحملة الانتخابية.

في أندونيسيا، ثمة الكثير من الفقراء يحبون الموسم الانتخابي لإنهم يحصلون خلاله على رشاوى نقدية. فرسل الأحزاب يأتون إلى بيوتهم ويوزعون على كل أسرة عدة دولارات. وفي هذه الدورة الانتخابية، قال كل من قابلتهم إن أعوان الجنرال سوسيلو وزعوا القدر الأكبر من المال.

إلى جانب ذلك، كان منافساه الأثنان مكروهين من قبل العديد من الناس. كما أنهما اختارا أن يرشحا لمنصب نائب الرئيس جنرالين مكروهين بشدة في البلاد. ويتميز أحدهما، الجنرال برابوا، بأسلوب فاشي جديد، وبنى لنفسه سمعة كمشارك مباشر في أعمال التعذيب وكصهر لسوهارتو. أما الجنرال الثاني، ويرانتو، فقد أنقذ الجيش في عام 1998 عندما هدد بارتكاب مذبحة على شاكلة ما جرى في ميدان تينامين في الصين ضد المتظاهرين إذا تحدوا الجيش في أعقاب الإطاحة بسوهارتو.

ولذلك، فمقارنة مع هذين الجنرالين، كان الجنرال سوسيلو يبدو أقل تعطشا للدماء، على الرغم من أنه كان ضمن القيادات العليا عندما حدثت اشنع المذابح في أندونيسيا، بما في ذلك المذبحة التي جرت في جاكارتا في عام 1996، وفي تيمور الشرقية المحتلة في عام 1999، وفي آتشيه في بدايات العقد الحالي. كما أنه دعم أثناء تقلده لمنصب الرئيس جميع أعمال التعذيب التي ارتكبتها قوات الشرطة والجيش في منطقة بابوا المحاصرة، كما اعتاد على اعتقال الناس الذي يوجهون له انتقادات أو إهانة أو الذين يرفعون أعلاما محلية ترمز للاستقلال. ومن الناحية الاقتصادية، فقد انتهك الجنرال سوسيلو القانون عندما ألغى الدفعات المالية المستحقة للعمال عند نهاية عملهم. إضافة إلى ذلك، ازدادات أمراض الجوع والإسهال على مستوى البلاد، وخصوصا في نوساتيجارا في الشرق من إندونيسيا.

ولكنه فعل كل ذلك بنعومة. وينظر إليه كسياسي ذكي، وهو يحصل على الكثير من الأموال الأجنبية. الولايات المتحدة والجهات المانحة تكن له المحبة لأنه يقوم بعمليات القتل الضرورية ويبقي على أجور العمال منخفضة (دون أن يتبجح بذلك)، كما أنه يتيح للمستثمرين أن يحصلوا على المواد الخام وأخشاب الغابات والأيدي العاملة ولا يطلب سوى رشاوى أقل مما كان يحصل عليه سوهارتو.

وفي الوقت نفسه، فقد جعل الحياة أفضل لطبقة النخبة في المدن، فقد تم تشييد الكثير من الشقق الفاخرة والأسواق التجارية الفخمة. فإذا كنت تملك مالاً، فيمكن أن تعيش حياة مترفة في جاكارتا. وهذا يعود بالنفع على الجنرال من ناحية التغطية الصحفية.

ولكنك إذا كنت فقيرا، فإن سفاكي الشرطة سيأتون ويهدمون بيتك من أجل إتاحة المجال لبناء تلك الشقق الفاخرة، كما أن فرصك في الحصول على عمل أو طعام، أو إلحاق أطفالك في التعليم الأبتدائي، هي كما كانت عليه قبل اعتلاء الجنرال سوسيلو السلطة أو حتى أسوأ.

ولذلك فإن صحيفة هيرالد تريبيون محقة فيما ذهبت إليه، فتلك كانت انتخابات عادية. كان هناك تصويت، ولكن لم يكن هناك خيار.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في الحصول على تبرعات ونشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

ملاحظة للقراء بخصوص الترجمة: تتوفر حاليا أجزاء من مدونة أخبار وتعليقات باللغات العربية، والبرتغالية البرازيلية، والدنماركية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، والإسبانية (انقر الروابط السابقة أو رابط المعلومات الأساسية أعلاه)، ولكن ما تزال هناك حاجة إلى مساعدة في الترجمة – وخصوصا ما يتعلق بالمواد القديمة، وذلك باللغات المذكورة وفي جميع اللغات الأخرى.

ملاحظة للقراء بخصوص الأدلة المحتملة: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على وثائق عامة وخاصة ومعلومات من شهود عيان يمكن أن تتطور إلى أدلة بخصوص جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية ارتكبها مسؤولون رسميون. يرجى إرسال المواد عبر الإيمل المذكور أدناه.

لإرسال إيميل
تم النشر من قبل allan.nairn@yahoo.com (ألان نيرن) في الساعة 1:26 بعد الظهر (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة).


Email Me

الأحد، 17 فبراير 2008

"يتحرقون شوقا لجولة ثانية". يقال إن إسرائيل تخطط لمهاجمة لبنان


مدونة أخبار وتعليقات، http://www.newsc.blogspot.com/
الأحد، 17 شباط/فبراير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 11:43 مساءا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

"يتحرقون شوقا لجولة ثانية". يقال إن إسرائيل تخطط لمهاجمة لبنان

بقلم: ألان نيرن

يوم الجمعة تحدثت مع مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، وهو من ضابط سابق في قوات النخبة الإسرائيلية، وممن يثق بهم رئيس الوزراء، وسألته ما إذا كان اغتيال عماد مغنية قد جرى على يد جماعة لبنانية.

سخر من هذه الفكرة الخرقاء وقال، "هذه العملية معقدة جدا. إنها عملية دولية منسقة بدقة" وأنها كانت "المرة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة خلال عام التي تنفذ فيها إسرائيل عملية عسكرية في سوريا".

وعندما طلبت منه أن يكرر هذا الجزء الأخير من كلامه، أضافة كلمة "حسب المزاعم".

ولكن الرسالة، أو التبجح على الأقل، كانا واضحين. إذا، لماذا تقوم إسرائيل بذلك؟

قال الرجل عن زملائه: "هناك العديد من الأشخاص في الجيش ومجلس الوزراء يتحرقون شوقا لجولة ثانية مع لبنان. وإذا ما أتيحت الفرصة، فسيهاجمونه"، أي سيهاجمون لبنان من جديد، وليس ذلك بالرغم من التصور العام بأن الهجوم الذي حدث عام 2006 قد فشل، "بل بسبب ذلك".

على الرغم من أن جيش الدفاع الإسرائيلي دمر شوارع وقرى، وألقى بأربعة ملايين قنيبلة عنقودية (وبعضها ما زال ينفجر حتى الآن)، وقتل 200 مقاتل من حزب الله، و 1000 مدني لبناني (وقتل ما يقارب 40 إسرائيلي على يد حزب الله)، إلا أن الجيش الإسرائيلي غادر لبنان وهو يشعر بعدم الكفاءة سياسيا.

كان الشعور الرسمي أنهم إما لم يدمروا بما فيه الكفاية، أو أنهم دمروا بما يكفي من الأشخاص المطلوب تدميرهم والأهداف الصحيحة، من أجل تجنب الإحراج الناجم عن التصور بأنهم هزموا أمام حزب الله.

بالتالي فمن أجل أتاحة خيار حل هذه المشكلة، يبدو أنهم دبروا هذا الاغتيال الاستفزازي أملا أن يدفع حزب حزب الله للانتقام مما سيوفر ذريعة لتدمير جديد (أفضل) "سينجح" هذه المرة، أي ترطيب مشاعر الإسرائيليين الجريحة.

جرت مساعي لوضع هذا الأمر في إطار استراتيجي، بالطريقة التي يفضلها القتلة المتعلمون (وأولئك الذين يدرسونهم). "يجب على إسرائيل أن تثبت قيمتها الاستراتيجية للولايات المتحدة" (ماذا؟ أستتخلى الولايات المتحدة عن إسرائيل؟ هل أدى "انتصار" حزب الله إلى تقوية الفلسطينيين، أو اللبنانيين، أو عرض وجود إسرائيل للخطر؟) أو، من التنويعات على هذه الحجة: "يجب اجتثاث حزب الله" (وهو أمر يعلم الجميع أنه مستحيل).

في الواقع، كلما أمعنت النظر تجد أن القادة متعطشين للدماء. والشيء ذاته ينطبق على الجمهور الذي يتبعهم. أولمرت يواجه مشاكل سياسية. فإذا لم يقتل بعض العرب بسرعة (بصرف النظر عن هوية القتلى أو مكانهم، فهذا أمر ثانوي)، فقد ينهار التحالف الحكومي الذي يتزعمه. كما يجب أن يشعر العامة بالرضا.

المشكلة (بالنسبة لأولئك الذين الذين سيقعون ضحية لهذا القتل، ولمفاهيم قوانين القتل، هذا إذا لم نتطرق لمعايير الشرف، وقلة من يتطرقون لها) هي أن الفضاء السياسي الإسرائيلي يعمل الآن على النحو التالي: المطالبة (مع استثناءات قليلة شجاعة) ليس فقط بعمليات قتل يومية روتينية ضد الفلسطينيين، ولكن أيضا بضربات دورية دراماتيكية تثير النشوة وتجعل الإسرائيليين يتبخترون كأبطال/ضحايا.

إن الأمر كأن قاطني استوديوهات محطة فوكس الأمريكية [محطة يمينية متطرفة] تضاعفوا حتى أصبحوا أمة.

وبالطبع، ليس بالضرورة أن يكون الأمر على هذا النحو، ولكن من الواضح أن الأمر وصل إلى هذا المستوى حاليا. وكل معا عليك أن تفعله لتتبين ذلك هو أن تقرأ صحيفة إسرائيلية أو أن تتحدث إلى بضعة إسرائيليين. (للاطلاع على اقتباسات تمثل الحالة السائدة، انظر مقال غيدون ليفي بعنوان "أحمدي نجاد الصغير"، صحيفة هاآريتز، 10/06/2007).

عندما تقوم دولة بقتل و/أو قمع آخرين بينما السكان المحليون لا يعلمون شيئا عن ذلك (كما كان عليه الحال إلى حد بعيد عندما كانت واشنطن تدمر أمريكيا الوسطى في ثمانينات القرن الماضي)، فهذا أمر له أبعاده، ولكن الأمر يختلف عندما يكون الجمهور على علم بالظلم والجرائم ويدعمونها (كما كان الحال بالنسبة للسكان البيض في الولايات المتحدة أثناء فترة العبودية، وأثناء المراحل الأولى للحرب الأمريكية/العراقية، حيث ظل الدعم الشعبي ينعطف –وقد يكون الحال كذلك حاليا- بحسب مسألة ما إذا كانت الولايات المتحدة "تحقق انتصارا" أم لا).

في الوضع الأول، تكون سياسة القتل ضعيفة، فإذا عرف الناس فقد يغضبون. ولكن الوضع الثاني أكثر استقرارا وفتكا، إذ أن الجمهور يعرف ويطالب بالمزيد.

ولكن الناس والدول لا يتاح لهم كتابة تاريخهم بأكمله كما يرغبون.

هم عادة ما يتفاعلون مع آخرين.

في حالة إسرائيل، فإن التفاعل الأساسي يجري مع الولايات المتحدة، الراعي العسكري/ الممول الكبير، ومع الأمريكيين اليهود، حيث يبدو الرأي السائد بين الشباب منهم يتحول ببطء.

من البدئل لذلك، يمكن للفلسطينيين وجماعات مثل حزب الله وحماس أن يحددوا مسير الأحداث وأن لا يدعوا الساحة للولايات المتحدة، ولكن لا يمكن أن يحدث ذلك إلا إذا غيروا خياراتهم (واستعدادهم للقتل) – وهو ما أخذ يطالب به عرب آخرون على المستوى الشعبي، بحذر—وأن يتحولوا إلى المقاومة الفاعلة اللاعنفية واللاعسكرية (مثل الانتفاضة الأولى، أو تحطيم جدار غزة)، وأن يمتنعوا عن ترك أنفسهم يستخدمون كأداة لـ "الاستفزاز-الرد" يمكن لإسرائيل استخدامها عندما تثير إثارة النشوة.


ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

ملاحظة للقراء بخصوص الترجمة: تتوفر حاليا أجزاء من مدونة "أخبار وتعليقات" مترجمة باللغات العربية، والبرتغالية البرازيلية، والدنماركية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية (انقر وصلة profile أعلاه")، ولكن ما يزال هناك حاجة للمساعدة في الترجمة—وخصوصا فيما يتعلق بالمواد المنشورة في تواريخ سابقة، وذلك باللغات المذكورة أعلاه وبلغات أخرى.

ملاحظة للقراء بخصوص أدلة محتملة: مدونة أخبار وتعليقات تبحث عن وثائق خاصة وعامة حول معلومات مباشرة يمكن أن تتطور إلى أدلة حول جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية من التي ارتكبها مسؤولون. يرجى إرسال المواد عبر وصلة الإيميل أدناه.

نشر ألان نيرن، http://www.newsc.blogspot.com/ في الساعة 11:43 مساءا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

Email Me

الأربعاء، 13 فبراير 2008

قاتل كبير يقضي على قاتل صغير. الحياة ضمن قواعد المافيا في الميدان الإسرائيلي-الأمريكي


مدونة أخبار وتعليقات، http://www.newsc.blogspot.com/
الأثنين، 13 شباط/فبراير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 6:30 مساءا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

قاتل كبير يقضي على قاتل صغير. الحياة ضمن قواعد المافيا في الميدان الإسرائيلي-الأمريكي

بقلم: ألان نيرن

بالمصادفة، علمت عن اغتيال عماد مغنية، القائد من حزب الله، باستخدام سيارة مفخخة، بينما كنت أتحدث مع رجل ينتمي لحركة فتح من المقربين لمحمد دحلان، والمعروف في الصحافة بأنه يمارس التعذيب، ويمثل وكالة الاستخبارات الأمريكية في غزة، حتى أطاحت به حركة حماس.

رجل فتح/دحلان الذي أخبرني بشأن الاغتيال يكره حماس كراهية شديدة – قال إنه خلال المصادمات بين قوات الأمن المتصارعة خلال العام الماضي، قبض عليه رجال حماس وعذبوه بالسكاكين لمدة أربع ساعات (وكان قبل ذلك قد تعرض للتعذيب على يد الإسرائيليين لفترة أطول بكثير وأسوأ، ولكنه يرى ذلك من المستوى نفسه)—وهو ليس من المعجبين بحزب الله، ولكنه نظر عملية القتل بنوع من المفارقة. قال إنه سمع أن الإسرائيليين يقولون "صفينا الحساب معه (مغنية)" (قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية، مثل تلك التي يديرها دحلان، تجري حاليا اجتماعات تنسيقية منتظمة مع العدو المزعوم، المخابرات الإسرائيلية)، ومع ذلك فقد زعم إن عمليات القتل الأكبر التي ارتكبها مغنية ضد عرب آخرين (مثلا، السعودية والكويت) أكثر من تلك التي ارتكبها ضد الإسرائيليين.

عناصر الأمن الإسرائيليون المكلفون بالقتل يحاولون إخفاء ابتساماتهم. وقد أصدرت إنكارا لا ينكر المسؤولية "إسرائيل ترفض مساعي المجموعات الإرهابية لنسبة أية تورط إسرائيلي في هذه الحادثة. ليس لدينا أي شيء آخر نضيفه"—أي إنهم يرفضون قول المجموعات الإرهابية بإن الإسرائيليين متورطين، ولكنهم لا يقولون إنهم غير متورطين. الولايات المتحدة التي رصدت مكافأة قدرها 25 مليون دولار على من يدل على مغنية، لم تشعر بأية حاجة لإظهار ضبط النفس (فهو متورط بأشياء عديدة من ضمنها تفجير مقر قوات المارينز في لبنان، واختطاف واحتجاز مراسل أسوشيتد برس تيري أندرسون، واختطاف طائرة تابعة لشركة تي دبليو أيه) فقد أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إن "العالم أصبح مكانا أفضل دون هذا الرجل فيه. لقد كان قاتلا بدم بارد، قاتل جماعي وإرهابي مسؤول عن خسارة أرواح لا حصر لها".

في عالم من التناسبية وفرض كامل لقوانين القتل—أو حتى أسلوب العدالة البدائية "إنك تجني ما تزرعه"—لن يرغب رجال جورج بوش بإصدار تصريح كهذا، إذ أنهم (وإسرائيل) مسؤولون عن عدد هائل جدا من قتل المدنيين، وليس لديهم العذر الذي أبداه موغابي بأنه كان يواجه اجتياحا، ولا يريدون أن يصعدوا بسياراتهم غدا صباحا كي تنفجر بهم.

ولكن هذا العالم ليس عالم تناسبية. هذا عالم المافيا. فإن كنت قويا بما يكفي، يمكنك إذا قتل الرجال.

وبالمصادفة أيضا، قبل ساعات من ذلك، استخدم رجل فلسطيني مصطلح المافيا هذا فيما كنا نمشي ببطء في مسارات الأسلاك الشائكة ونقاط التفيش العسكرية، والجدران، ورجال الاحتلال يلوحون ببنادق م-16 وبنادق غاليلي [الجليل]، بيمنا كان المستوطنون اليهود/المحتلون يمرون سريعا عبر الضفة الغربية على طرق سريعة مفصولة عرقيا ودينيا.

قبل يومين من ذلك، وكان يوما عاديا في السياسات الإسرائيلية، كان العنوان الرئيسي في صحيفة هاأريتس "قوات الدفاع الإسرائيلية ستصعد الاغتيالات في غزة"، ردا على الصواريخ محلية الصنع التي تنطلق من غزة المحاصرة والجائعة والتي تتعرض للقصف، وقد كانت الصواريخ قد أدت إلى إصابة إسرائيليين بجراح مؤخرا.

قال وزير الداخلية الإسرائيلي مائير شتريت، "على جيش الدفاع الإسرائيلي إزالة حي في غزة. علينا أن نستهدف جميع أولئك المسؤولين عن الإرهاب، ودون أن نسأل من يكونون"—مقترحا بذلك تعريفا واسعا "للمسؤولية" يضم أشخاصا ليس من المعروف ماذا فعلوا، ولكن تنطبق عليهم على الأقل معيار أن يكونوا فلسطينيين يعيشون في غزة. (هاأريتس، النسخة الإنجليزية، 11 شباط/فبراير 2008).

داني ياتوم، الرئيس السابق لجهاز الأمن الداخلي (شين بيت)، وهو الآن عضو في البرلمان فيما يعرف بيسار المؤسسة الإسرائيلية، أي حزب العمل، قال عبر التلفزيون حول تفجير القاتل الصغير، عماد مغنية، أن "العالم الحر والديمقراطي حقق اليوم هدفا مهما جدا"—مقترحا أن الحرية والديمقراطية لا يقترنان بالقانون والنظام كشرط مسبق، وهذا يبدو إنه يضعف المشروع العالمي لأمريكا بأن تنشئ قوات أمنية مسلحة بشدة، إلى جانب محاكم لا تثير المشاكل (في أماكن عديدة من ضمنها فلسطين المحتلة)، استنادا إلى الزعم بأن لا يمكن تحقيق الحرية والديمقراطية قبل إقامة سيادة القانون.

الوضع السياسي واضح للغاية.فالحزب الجمهوري في الولايات المتحدة يريد موضوع الإرهاب (الذي يرتكبه الآخرون) أن يظل في مقدمة التنافس الانتخابي. وحكومة أولمرت الإسرائيلية ما زالت تعاني من التقرير الرسمي الجديد (تقريرلجنة وينوغراد) الذي قال إنها انهزمت في حرب لبنان في العام 2006 مع حزب الله (ومع القصف السجادي للسكان المدنيين في جنوب لبنان وجنوب بيروت)، وفي الوقت نفسه تواجه صخبا إسرائيليا عاما يطالب بقتل المزيد من سكان غزة.

تظل هناك دائما الحجة (الضعيفة) الداعية إلى القضاء على قاتل إذا لم تتمكن المحكمة القانونية اللطيفة من تحقيق ذلك (فهذا ما ظل يفعله الثوار اليساريون/ وحركات التحرر، أو المقاومة الفرنسية في جميع الأوقات). وهذه هي الحجة التي قدمتها الولايات المتحدة للقضاء على صدام حسين (بعيدا عن الأكاذيب بشأن أسلحة الدمار الشامل والتعاون مع القاعدة). ولكن هذه الحجة الضعيفة تصبح خطيرة إلى حد بعيد في عدم جديتها عندما يكون من يدعو إلى إقامة العدل أناس مثل قيادات الولايات المتحدة وإسرائيل ممن قتلوا أكثر بما لا يقاس مما قتل المستهدف بالاغتيال. وعندها، وعلى الرغم من أنك تزيل قاتلا أصغر عن وجه الأرض، فإنك تجعل القاتل الأكبر يصبح أكثر قوة، وتصبح الحياة بالتالي أخطر للناس العاديين الذين ما زالوا يعيشون.

ومن المفاجأة لرجل يعيش في نيويورك (وهي معقل قديم للمافيا)، مثل مالكوم هونيلين، رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الرئيسية، أن يعرب عن استغرابه خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الثلاثاء في القدس، جراء استطلاع أجرته منظمته وجد أن الدعم الأمريكي الشعبي لإسرائيل "واسع" ولكن "ضعيف أيضا، وأن معظم الأمريكيين ينظرون إلى إسرائيل على أنها مكان عسكري ومعتم".

لا يبدو أن إسرائيل مكان معتم، فعندما تنفجر سيارة اغتيال، يصدر عنها مقدار هائل من الضوء.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

ملاحظة للقراء بخصوص الترجمة: تتوفر حاليا أجزاء من مدونة "أخبار وتعليقات" مترجمة باللغات العربية، والبرتغالية البرازيلية، والدنماركية، والفرنسية، والألمانية، والإسبانية (انقر وصلة profile أعلاه")، ولكن ما يزال هناك حاجة للمساعدة في الترجمة—وخصوصا فيما يتعلق بالمواد المنشورة في تواريخ سابقة، وذلك باللغات المذكورة أعلاه وبلغات أخرى.

ملاحظة للقراء بخصوص أدلة محتملة: مدونة أخبار وتعليقات تبحث عن وثائق خاصة وعامة حول معلومات مباشرة يمكن أن تتطور إلى أدلة حول جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية من التي ارتكبها مسؤولون. يرجى إرسال المواد عبر وصلة الإيميل أدناه.

نشر ألان نيرن، http://www.newsc.blogspot.com/ في الساعة 6:30 مساءا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

Email Me

الثلاثاء، 5 فبراير 2008

بينما يجري التصويت في الولايات المتحدة حول من سيتحكم بآلة القتل، شعب المايان ينشر الحضارة.


مدونة أخبار وتعليقات، http://newsandcommentarabic.blogspot.com/
الثلاثاء، 5 شباط/فبراير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 2:34 صباحا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

بينما يجري التصويت في الولايات المتحدة حول من سيتحكم بآلة القتل، شعب المايان ينشر الحضارة.

بقلم: ألان نيرن

اليوم، بينما يذهب الأمريكيون ليقرروا من سيتسلم مقاليد السلطة ليتحكم بقتل الملايين أو تركهم، توجهت مجموعة من شعب المايان من سكان غواتيمالا إلى مدريد في مهمة تمدينية.

لقد حضروا إلى مدريد كي يدلوا بشهادة حول الكيفية التي قام بها ضباط الجيش الغواتيمالي الذي كان تحت رعاية أمريكية، بقتل عائلاتهم في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وخرج هؤلاء الضباط من هذه المذابح وقد أصبحوا رجالا أثرياء، ومهربي مخدرات، ومستشارين للسفارة الأمريكية، وزملاء في جامعة هارفرد.

ليس الأمر أنه من الممكن أن تعيد إلى الحياة الزوجات القتيلات، وأن تعيد الأبناء المفقودين، أو الأزواج الذين تلقوا الرصاص في مؤخرة الرأس، أو حتى معاقبة الجناة العقاب الذي يستحقونه، والذين يوزعون الابتسامات الآن في أفياء الأحياء الراقية في ضواحي العاصمة الأمريكية. فلا زالوا يتداولون السلطة ويحومون، دون قيود في معاصمهم، في المجتمعات الراقية.

ولكن بالإمكان، كما قال أحد مزارعي الذرة في الجبال يوم أمس، "القبض عليهم وسجنهم. وذلك يكفي"، وهذا يدل على كرم أخلاق هذا المزارع، إذ أنهم ذبحوا أحبائه وأصدقائه وحيواناته، وحرقوا أمعائه حتى خرجت من فمه—ولا شك أن القضاء الإسباني يستحق المديح لإتاحة المجال أمامه حتى يقاضي المجرمين.

هذه الحالة هي حالة تعذيب وإرهاب دولة وتطهير عرقي—وقد صدرت أوامر الاعتقال الدولية—ولكن الجنرالات الكبار والقساة الذين كان بإمكانهم الإجابة عن الأسئلة (الأسئلة التي طرحتها الصحيفة اليومية الغواتيمالية المحافطة، إلغرافيسو، [17 أيار/مايو 1982]) "كيف من الممكن أن يقوم امرء بقطع رأس صبي يبلغ الثامنة أو التاسعة من العمر؟ كيف يمكن لإنسان بالغ أن يقتل بدم بارد طفلا يقل عمره عن سنة ونصف السنة؟" هؤلاء الجنرالات خائفون اليوم من السفر إلى إسبانيا لمواجهة أهالي الأطفال الذين أبادوهم بينما كانوا يكومون المال في جيوبهم من مقر وكالة الاستخبارات الأمريكية في ضاحية لانغلي بالقرب من العاصمة الأمريكية. (كانت صحيفة إلغرافيسو تشير إلى مذبحة سيميا الثانية في منطقة تشيكيكاستينانغو، ولكن وفقا لسجلات الجيش، تم تدمير 662 قرية، وربما وصل عدد القتلى إلى 120000 مدني).

إنهم خائفون لأنه حدث تمزق صغير في نسيج العالم السياسي، في مكان ما، كما يحدث في شذوذيات فيزياء الكم، فقد بزغ (في هذا العالم) ذرة من ا لمدنية: منبر قضائي ربما يكون مستعدا لفرض قوانين القتل، حتى ضد كبار المسؤولين.

ولكن ليس بعد! فلا يوجد حتى الآن اسماء أمريكية ضمن قائمة المتهمين. ولكن كما يقول عشاق الرياضة الأمريكيون، لا نهاية إلا عندما تنتهي اللعبة.

القضية حاليا بين يدي المحكمة الوطنية الإسبانية، والتي تعمل تحت مبدأ "نحن جميعا بشر هنا"، وهي تمارس حقها بموجب القانون الدولي لمقاضاة قضايا الفظائع التي تتضمن أناسا من غير الإسبانيين.

(أفراد شعب المايا الذين نجو من شنق على صليب –من على خشبة كبيرة في ريو نيغرو—سوف يدلون بشهاداتهم. أنا سوف أدلي بشهادة أيضا، حول الجيش، وسياسة المذابح، ودور الولايات المتحدة. المحامون والمهنيون الذين يعملون في هذه القضية أتوا من عدة منظمات عبر العالم)

تخيلوا لو أن هذه السابقة القضائية نجحت. فستكون الانتخابات التمهيدية التي تحدث اليوم في أمريكا حدثا غريبا، إذ سيعمد المرشحون والمستشارون على التملص من الشرطة، حيث سيلاحقون بطلبات للتوقيع على تعهدات بإيقاف القتل، وستسألهم الصحف أن يوضحوا ماضيهم (فيما يتعلق بقتل المدنيين، وليس حول سخائف الأمور)، وليوضحوا ليونة الحزبين العقائدية فيما يتعلق بالجرائم الرسمية.

وفي هذه المسألة تحديدا التي تتعلق بعمليات قتل مرتبطة بالأمريكيين، وهي من عشرات مسائل القتل عبر العالم، كان القديس الراعي لهذه المذبحة هو الرئيس الجمهوري رونالد ريغان، المحبوب من القادة الغواتماليين الذين ذبحوا شعب المايا (وآخرين)، والذين علقوا صورا هائلة له في بيوتهم عندما كان يرسل لهم عملاء وكالة الاستخبارات المركزية، ومعدات التجسس، والأموال السرية، والأهم من كل ذلك، المباركة السياسية الصريحة. أما حمامة الحزب الديمقراطي، باراك أوباما، فقد عين زبيغينوا بريجينسكي مستشارا لشؤون العلاقات الخارجية، وكان قد أعطى الضوء الأخضر لإسرائيل كي تسلم بنادق فتاكة (من نوع غاليلي [الجليل]) إلى غواتيمالا، إذ كان رئيسه آنذاك—جيمي كارتر—محرجا قليلا من عمل ذلك بنفسه.

هل هذا هو الفرق بين الحزبين الأمريكيين الكبيرين بخصوص القتل الجماعي—الشعور بالإحراج مقابل الشعور بالفخر؟ ربما كان الأمر كذلك.

علينا ألا نتجشم عناء التأمل في هذه الفروق الدقيقة—على الرغم من أنها قد تكون حاسمة في أهميتها أحيانا.

يجب إن يكون بإمكاننا إدلاء أصواتنا بفاعلية ضد جرائم القتل وأن نطالب بملاحقة منفذيها.

ربما كانت السياسات الأمريكية بحاجة لاجتياح تمديني من المايان.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع، والحصول على تبرعات. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

ملاحظة للقراء بخصوص الترجمة: تتوفر حاليا أجزاء من مدونة "أخبار وتعليقات" مترجمة باللغات العربية، والبرتغالية البرازيلية، والدنماركية، والفرنسية، والألمانية. (انقر وصلة profile أعلاه")، ولكن ما يزال هناك حاجة للمساعدة في الترجمة—وخصوصا فيما يتعلق بالمواد المنشورة في تواريخ سابقة، وذلك باللغات المذكورة أعلاه وبلغات أخرى.
نشر ألان نيرن، http://www.newsc.blogspot.com/ في الساعة 2:34 صباحا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

Email Me

السبت، 26 يناير 2008

تحطيم جدار غزة، عنف سياسي مبرر وحكيم.


مدونة أخبار وتعليقات، http://www.newsc.blogspot.com/
السبت، 26 كانون الثاني/يناير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 6:08 صباحا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

تحطيم جدار غزة، عنف سياسي مبرر وحكيم.

بقلم: ألان نيرن

من الواضح أن تحطيم الجدار الذي يفصل غزة عن مصر، هو أمر حسن، ومثال نادر على الاستخدام الأخلاقي (والحكيم) للعنف في السياسة. (للاطلاع على منطق الحصار الإسرائيلي على غزة وآثاره، انظر المادة المنشورة في 7 كانون الأول/ديسمبر 2007 بعنوان "فرض الجوع على غزة، الجيش في أندونيسا. أسئلة حول المنطق والنشاط السياسي").

معظم العنف السياسي يتألف من أخطاء واضحة، مثل القتل أو الحرب غير المبررة، ولكن أحيانا فإن بعض العنف مبرر كملجأ أخير، وهذا أمر مثير للحزن والتقزز، وأحيانا (وكفئة من صنف هذا العنف المذكور) فإن بعض هذا العنف المبرر هو عنف حكيم من الناحية ا لتكتيكية.

حالما تبتعد عن إطار القتل والجرائم في الحرب والجرائم ضد الإنسانية، فإن بعض الخيارات المتعلقة بما إذا كان بعض العنف مشروعا، هي خيارات صعبة وقابلة للجدال.

ولكن مسألة تحطيم جدار غزة كانت مسألة يسيرة من هذه الناحية: فلم يقتل أي أحد، وربما تم إنقاذ أناس من القتل، كما أن الحجم الهائل لخروج الناس إلى مصر سلط الضوء من الناحية الفعلية على هذا الظلم الهائل.

من المفارقة أن هذا الأمر قد تم (ولم يتحدد بعد على أي مستوى) من قبل أو مناصري حماس أو بعضهم، كون هذه الحركة كانت باعتقادي لا أخلاقية وإجرامية وتتصرف بغباء من الناحية التكتيكية بسبب ما قامت به من تفجيرات ضد المدنيين الإسرائيليين، وبالتالي فإنها حولت المقموعين إلى قامعين وحولت بعض الضحايا إلى مجرمين فعليين.

ولكن هذا الاستخدام العنف (الموجه ضد طوب في حائط) كان تصرفا صائبا ومبدعا. وعلى الرغم من أسطورة الاستخبارات الإسرائيلية التي تعلم جميع ما يجري، فلا بد أن بعض القتلة في جيش الدفاع الإسرائيلي/ الشين بيت/ الموساد/ مجلس الوزراء قد ذهلوا مما جرى، واهتزوا بصفة مؤقتة.

لقد كان هذا الأمر هو أول تحرك فلسطيني كبير وذكي منذ انتفاضة الحجارة بين داؤود وجوليات التي حدثت قبل عشرين عاما، والتي وقف فيها راشقو الحجارة الفتيان ضد الدبابات الإسرائيلية والجنود الإسرائيليين الذين يرتدون سترات واقية للرصاص، وكشفوا بذلك عن الاحتلال، ووضعوا النظام الإسرائيلي في موقف استدفاعي. (ولكنها لم تستمر لفترة تكفي كي تؤدي إلى نتائج. فقد قتلها رابين وعرفان الحائزان على جائزة نوبل للسلام؛ رابين بتكسير العظام إذ كانت أوامره "القوة، والجبروت، والضرب"، مما جعل إسرائيل تبدو أسوأ لفترة محددة، ولكن حينها قام عرفات بإسكات الفتيان الذين كانوا يحققون انتصارا دون موافقته).

من الواضح أن صحيفة "واشنطن بوست" المسكينة كانت مذهولة بتحطيم الجدار في غزة. فقد تصاغرت إلى درجة أن اتهمت حماس "باستغلال الإغلاق الإسرائيلي المؤقت لإمدادات الوقود" – أي إعلام الناس حول أمر الإغلاق (إلا ينبغي أن تعمل الصحف على تشجيع ذلك؟)، وأعربت الصحيفة عن انشغالها من هذا الوضع البائس (في حال قبلنا بمنطقها) وكأنها تدعم حرمان لاجئي دارفور من حقوقهم. (مقال في صحيفة "واشنطن بوست" بعنوان : "إذ يعبر آلاف الفلسطينيون الحدود إلى مصر، حماس تسد طريق السلام"، 24 كانون الثاني/يناير 2008).

طرحت صحيفة "واشنطن بوست" تساؤلا من باب اللغو: "أكان السيد مبارك سيسمح لعشرات الآلاف من لاجئي دارفور أن يدخلوا مصر من السودان بصفة غير مشروعة، حيث تجري حاليا أزمة إنسانية حقيقية؟" والإجابة المتوقعة من القارئ الواقعي، وهي إجابة مخزية (لمبارك)، هي "لا"، وبالتالي طالبت الصحفية من مبارك تطبيق المعيار المخزي ذاته بإن يمنع سكان غزة الذين دخلوا مصر دون دعوة.

ولهذا، فمن أجل إبقاء الفلسطينيين خارجا (أو بصفة أدق إبقائهم محتجزين)، فإنك تبدو مستعدا لمنع سكان دارفور أيضا!

إنك عندما تصل إلى حجة مثل هذه، فهذا يدل على أن حجة الجانب الذي تدعمه هي حجة واهنة.

إذا، ما الذي سيحدث إذا قرر بعض الفلسطينيين تحطيم جدار الضفة الغربية أيضا؟ لنقل، إذا توجه عشرات آلاف الفتيان في فجر أحد الأيام نحو الجدار حاملين فؤوس ومعاول؟

فهل سيقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بتحطيم الناس كي ينقذوا الإسمنت؟

ممكن تماما.

فهم يشعرون بأن من حقهم القيام بذلك.

مرة من المرات، قال وزير العدل حاييم رامون، "يحق لنا تدمير كل شيء" (مقال غيدون ليفي، "أحمدي نجاد الصغير"، هاآريتز، 6 تشرين أول/أكتوبر 2007)، وكان حينها يتحدث الحرب على لبنان في عام 2006 (التي بلغ عدد القتلى فيها 1000 مدني لبناني، و 40 مدني إسرائيلي، و4 ملايين قنيبلة متبقية من القنابل العنقودية التي أغلبها مصنوع في أمريكا نشرها جيش الدفاع الإسرائيلي في جنوب لبنان)، من الممكن أيضا أن ما قالها حينها ينطبق على الفلسفة الأخلاقية/الإجرامية للمؤسسات الأمريكية/الإسرائيلية الحالية، وجزء كبير من المجتمعين الأمريكي والإسرائيلي (عندما يتعلق الأمر بإسرائيل).

ولكن إذ فتح الإسرائيليون النار على الفلسطينيين المتوجهين نحو الجدار، فإن التاريخ الإسرائيلي-الفلسطيني سيبدأ من جديد، وعلى الرغم من أن العديد من الفلسطينيين سيقتلون في هذه الحالة، كما هو معتاد، فهذه المرة لن يموتوا دون طائل، إذ سيرى العالم (بما في ذلك الولايات المتحدة) من يقمع من.

ومن باب الصدفة أن صحيفة هاآريتز، وهي من أبرز الصحف الإسرائيلية، أوردت مؤخرا نقدا محكما للتبرير الأمني للعوائق الإسرائيلية الهائلة التي تحيط بقرى الضفة الغربية، والتي تشكل نظاما معقدا لا يمثل الجدار فيه سوى التجلي الأخير والأضخم حجما.

إن السبب المعلن لتلك العوائق التي تبطء حركة الفلسطينيين وتضطرهم أن يسلكوا طرقا بديلة، وتؤدي إلى موتهم في سيارات الإسعاف، هو منع المفجرين الانتحاريين من شن هجمات، وهذا السبب بحد ذاته سبب وجيه.

ولكن تقارير صحيفة هاآريتز وجدت، ومما يثير الاستغرب، أن 475 حاجزا من الحواجز التي يبلغ عددها 572 لا يحرسها جنود، ثم طرحت السؤال المنطقي: ماذا؟ المهاجمون الانتحاريون لا يستطيعون المرور من هنا؟ ألا يستطيعون تجاوز العوائق التي لا يحرسها جنود والتي تمنع الناس العاديين من المرور (وسيارات الإسعاف)؟

وتوصل تحليل صحيفة هاآرايتز إلى الاستنتاج المعقول بإن احتجاز الفلسطينيين يخدم غرضا آخرا:

"هل يعتقد أي شخص بأن السواتر الترابية أو الخنادق أو الجدران الاسمنتية يمكنها أن تمنع الإرهابيين من التحرك؟ وهل تخدم تلك العوائق أي غرض سوى أن ترهق حياة الفلسطينيين؟ لا شك أن المرضى والمسنين والنساء الحوامل والناس الذين يحملون أكياس التسوق يجدون صعوبة كبيرة في الدخول والخروج من بلداتهم وقراهم المحاصرة. بل أن كلا من منظمة بتسيلم وأطباء لحقوق الإنسان وثقتا حالات لأشخاص مرضى لم يتمكنوا من تلقي العلاج لأنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى أطبائهم وعياداتهم – في حين أن أي شخص يخطط لعملية إرهابية يمكنه بسهولة أن يتسلق فوق السواتر الترابية، والخنادق، والالتفاف حول العوائق ..."

ويواصل الكاتب دانيل غافرون، "لم يعرض أي شخص ممن تحدثت معهم تفسيرا عسكريا مقنعا لوجود الحواجز التي لا يحرسها جنود. بل إن الأشخاص المطلعين على طبيعة التفكير العسكري لإسرائيل أقنعوني أن الغرض من هذه العوائق هو تفتيت المناطق، وبالتالي منع إقامة ’الدولة الفلسطينية المتصلة‘ التي نادى بها الرئيس الأمريكي جورج بوش مؤخرا. لا شيء من الأشياء التي سمعتها أقنعني بأن وجود الحواجز التي لا يحرسها جنود تحسن الوضع الأمني لإسرائيل، أو حتى المستوطنين اليهود في المناطق". (مقال للكاتب دانيال غافرون، بعنوان "فلنبدأ بالحواجز التي لا يحرسها جنود!"، هاأريتز، 23 كانون الأول/ديسمبر 2007، ويشير المقال أيضا للتقارير التي أوردتها هاآريتز قبل ذلك).

وكما أشارت المراسلة الصحفية الإسرائيلية المخضرمة، أميرا هاس، يبدو هناك عوامل أخرى كامنة خلف الانخفاض في عمليات التفجير، لا علاقة لها بالجدار/العائق؛ فعلى المرء أن ينظر إلى الفسلطينيين الذين يتمكنون من اجتياز الجدار مشيا على الأقدام، (انظر مقال إميرا هاس، "إين ذهب المهاجمون الانتحاريون؟"، كانون الأول/ديسمبر 2007 Kibosh.co.il، ترجمه إلى العبرية جورج مالينت. تشير أميرا هاس إلى أن بعض الفلسطينيين المضطرين للعمل، يدخلون خلسة إلى إسرائيل عبر الجدار. فإذا كان بإمكانهم القيام بذلك، فلا بد أنه يمكن للمهاجمين الانتحاريين الدخول أيضا إذا رغبوا بذلك شخصيا أو سياسيا.

وعلى أية حال، فإن المستوطنين والاحتلال هي أمور غير قانونية، حالها حال الجدار، وذلك وفقا للمحكمة الدولية—ومن غير الغريب أن الفلسطينيين يعارضونها جميعها—فلذلك فإن أفضل حل أمني للوضع هو إزاله هذه الأمور.

ولكن يبدو أن النظام الإسرائيلي يريد توترات دائمة للحرب. فالحرب تحافظ الآن على ثقافتها السياسية.

حسنا إذا، يمكنهم أن يحصلوا على أي شيء يريدونه.

ولكن ليس لهم الحق بفرضه.

ولا الفلسطينيين أيضا، فليس لهم سوى حق بحقوقهم.

وكون أحد هذه الحقوق هو تحطيم ذلك الجدار، والسيد أولمرت لا يريد تحطيمه، فربما يمكن لبعض الفتيان الفلسطينيين أن يفعلوا ذلك له.

ويمكنه أن يقابلهم فجرا، عند الجدار.

أخبروه أن يحضر معه معولا.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.
نشر ألان نيرن في الساعة 6:08 صباحا (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

Email Me

الأحد، 13 يناير 2008

الجنرال الأندونيسي سوهارتو: رجل صغير واحد يترك في أعقابه ملايين الجثث


مدونة أخبار وتعليقات،
الأحد، 13 كانون الثاني/يناير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 9:56 مساء (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

الجنرال الأندونيسي سوهارتو: رجل صغير واحد يترك في أعقابه ملايين الجثث

بقلم: ألان نيرن

تقول التقارير الإخبارية أن صحة الجنرال الأندونيسي سوهارتو تتدهور بسرعة

ولهذا، عندما وصلت للبلاد بدأت أسأل الناس حول شعورهم بشأن قاتهلم الذي ينتظر الموت. (عدد ضحايا يزيد عن مليون إنسان، معظمهم من المدنيين).

الرجل الأول الذي قابلته، بالقرب من كشك يبيع القوة والأرز، حيث كانت الإذاعة تورد نبأ اقتراب وفاته، قال "هذا حسن جدا" وابتسم. الناس الذين أعرفهم هناك لم يزعجوا أنفسهم بذكر الموضوع، على الرغم من معرفتهم بمتابعتي للسياسة.

وفي السوق، عندما انتهت إحدى البائعات من سرد أمراضها التي نتجت عن سنوات طويلة من العمل، قالت عندما سألتها عن سوهارتو، "سوهارتو؟ لقد أكل الكثير من المال، لقد امتلأ تماما. لقد أكل كثيرا جدا ولم يبق شيئا للآخرين كي يأكلوا". ثم بدأت تضحك على النكتة التي ابتدعتها، وضحك جميع الحاضرين. لا شك أن فترة الحداد سوف تنتهي قبل موعد وجبة الغداء.

في عام 1993، قالت صحيفة نيويورك تايمز بعد المذبحة التي حدثت في تيمور الشرقية إن سوهارتو "أدار البلاد بابتسامة أبوية وقبضة حديدية" وندبت الصحيفة أن "إنجازاته غير معروفة على نطاق واسع في الخارج" (فيليب شينون، مقال بعنوان "العملاق الخفي—تقرير خاص: أندونيسيا تحسن حياة العديدين ولكن ظل السياسة ما زال مخيما" صحيفة نيويورك تايمز، 27 آب/أغسطس 1993).

أما على أرض الواقع، في أندونيسا، كان سوهارتو مرئيا بوضوح كرجل صغير من ناحية، وكشر مستطير من ناحية أخرى.

يمكنك أن تتحدث هناك عن الفساد، ولكن لا يجوز ذكر الجرائم. وعليك أن تعمل جاهدا حتى تنساها. وقد ساعدت الحكومة من خلال قوانين "للبيئة النظيفة" حظرت على الناجين إجراء اتصالات اجتماعية، استنادا إلى نظرية مفادها إنهم إذا تواصلوا مع الآخرين فقد تؤدي ذكرياتهم إلى تلويث المجتمع.

وصفت لي امرأة مسنة يوما بعد أن ألححت عليها الجثث التي رأتها تطفو على الأنهار في سومطرة.

ولكن، وكقاعدة عامة، الناس لا يحبون الحديث عن الفظائع التي ارتكبها سوهارتو. الفظائع التي وصفها جيمس ريستون في صحيفة نيويورك تايمز بأنه "شعاع من الضوء في آسيا" (19 حزيران/يونيو 1966)، والتي وصفتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية التي شاركت في الجرائم "إحدى أسوأ عمليات القتل الجماعي في القرن العشرين).

ومن المفارقة، أن ما هو محظور الحديث فيه على المستوى الرسمي، هو موضوع الفساد.

في عام 1998، تم التحقيق معي في أندونيسيا بعد أن نظمت مؤتمر صحفي حول المساعدات السرية التي كانت تقدمها إدارة بيل كلينتون إلى سوهارتو (بما في ذلك بنادق للقناصين)، وبدأ رجل من نظام سوهارتو يقرأ الملف الذي يحفظونه بشأني، وكان بعضه دقيقا على درجة أثارت قلقي، وبعضه سخيف جدا.

سألني المحقق عن آرائي السياسية، فألقيت عليه خطابا حول المذابح وعن رأيي أنه ينبغي أن يشترك كلنتون وسوهاتو في زنزانة واحدة. بدت على الرجل مظاهر الملل، ولكنني بعد ذلك بدأت أتحدث عن الفساد. وفجأة شعر بالإهانة والغضب، فاستقام في جلسته وقال: "ماذا تعني بقولك حول وجود فساد؟"

كان رد فعل معقول نظرا لأن هذا الموضوع كان مطروحا على المستوى الشعبي، ولذلك فقد كان موضوعا خطرا. كان من المفترض من البيروقراطيين ألا يتحدثوا عن الموضوع، فقد كانت تصلهم المغلفات المملوئة بالنقود بصفة هادئة.

ولكن المذابح؟ لم يكن من المرجح أن تثير اهتماما بحسب رأي أنصار سوهارتو.

في الحقيقة، يمكن للناجين من المذابح أن يكونوا أنانيين أحيانا، وأن ينسوا الموتى ويبدأوا بتقبيل القتلة، وخصوصا إذا تواصل تنفيذ الرعب بذكاء. إن السيطرة القسرية على الفكر ممكنة أحيانا.

عندما يذهب سوهارتو، لن يكون هناك دموع لوداعه في الأماكن التي أعرفها، ولكن قد يبكي عليه البعض في الولايات المتحدة.

فهناك، تطورت مدرسة فكرة تعتقد أن سوهاتو جيد على الرغم من وجود مشاكل في مجال "حقوق الإنسان"، إذ أن الإحصاءات الرسمية تظهر تناميا مضطردا في الناتج المحلي الإجمالي.

إن مؤيديه يعدون أنفسهم من المعادين المتشددين للشيوعية، ولكنهم امتصوا بعض ضروب التفكير التي كانت تسود صحيفة برافدا، إذ أن الحجة التي يطرحونها، هي ذات الحجة التي استخدمت لتبرير حكم ستالين.

ولكن حينما تجمع الناس الناحلين وقصار القامة قرب معبر بيلاوان البحري للذهاب إلى ماليزيا، فقد يقولون لك أن المذابح التي ارتكبها العم سوهارتو، على العكس من مذابح العم جوزيف ستالين، لم تقد أندونيسيا إلى مستوى جديد.

البلدان المجاورة التي بدأت مسيرتها على قدم المساواة مع أندونيسا في مرحلة التنمية، تجاوزت ما خلفه نظام سوهارتو بمراحل عديدة، ولذلك تجد الأندونيسيين يغادرون بلادهم سعيا للعمل وأحيانا يتنازلون عن كرامتهم من أجل لقمة عيش أولادهم.

السؤال المهم لا يتعلق بسبب تلطف الراعين الأجانب بتبرير الجرائم (فالجواب الرئيسي: أن لا أحد يحاسبهم)، بل لماذ يسمح الناس المحليين في أماكن عديدة لرجل واحد صغير أن ينهض فوقهم؟

هذا سؤال معقد، سنتناوله في يوم آخر. ولكن الآن، ثمة عدد من الناس هنا مشغولون بالذكرة السنوية لمقتل شخص آخر أكبر بكثير .... سيدة مدفونة في حقل للأغنام، شهدت العديد من المذابح، امرأة مضيئة ورائعة وعظيمة.

لو كانا قد التقيا، هي وسوهارتو، لكان من الممكن أن يطلب منها سوهارتو أن تنظف بلاط بيته (وأؤكد لكم أنها ما كانت ستقبل).

ولكن، حتى هي، على الرغم من كتفيها القويين، ما كان بإمكانها أن تمسح كل تلك الدماء.

فهذه مهمة المجتمع بأكمله، بعد أن يدان سوهارتو ويذهب طي النسيان.

عندها سيتعين عليهم أن يجتمعوا ويحافظوا على بلاطهم نظيفا.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

Email Me

الأربعاء، 2 يناير 2008

نتيجة الانتخابات الأمريكية تقررت سلفا، فقد فاز القتل والوفيات التي يمكن منعها.


مدونة أخبار وتعليقات،
الأربعاء، 2 كانون الثاني/يناير 2008 (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)
نشر ألان نيرن في الساعة 10:10 مساء (بتوقيت الشاطئ الشرقي للولايات المتحدة)

نتيجة الانتخابات الأمريكية تقررت سلفا، فقد فاز القتل والوفيات التي يمكن منعها.

بقلم: ألان نيرن

تورد الصحافة الأمريكية أن النظام السياسي الأمريكي سيبدأ يوم الخميس عملية اختيار الرئيس المقبل للولايات المتحدة.

ولكن هذا الأمر غير صحيح.

فالعملية تمت إلى حد بعيد وانتهى الأمر، إذ أننا نعرف بأن الرئيس المقبل سيكون على الأغلب واحدا من بين أحد عشر شخصا ثريا، وكل منهم يتبنى مواقفا (إذا تم تطبيقها) ستؤدي ربما إلى قتل أحد عشر مليون شخص فقير.

المرشحون الذين يتملكون فرصة في النجاح (بلومبرغ، وكلنتون، وإدواردز، وجولياني، وغور، وهاكابي، وماكين، وأوباما، ورايس، ورومني، وتومبسون) يختلفون فيما بينهم في العديد من النواحي، بما في ذلك اختلاف في عدد القتلى الذين من المرجح أن يتركوا في أعقابهم، كما يختلفون فيما إذا كانوا قد يسروا خلال مسيرتهم حدوث جرائم القتل بالرصاص (بلومبرغ، هاكابي، ورومني قد لا يكونوا يسروا ذلك لغاية الآن لأنهم لم يحتلوا حتى الآن مناصب في الحكومة الفدرالية).

ولكنهم جميعا يعارضون فرض قوانين القتل بطريقة عادلة، وجمعهم عارضوا توفير مال كافي الآن لمنع جميع حالات الموت التي يمكن منعها.

هذه الأهداف ينبغي ألا تكون أهدافا خلافية. فمعظم الأشخاص الصالحين سوف يدعمونها. وحتى حكام الولايات المتحدة أنفسهم عادة ما يدعمونها – وإن يكن على الورق فحسب، وليس عن مبدأ.

فيما يخص جرائم القتل، قال الرئيس بوش أمام الأمم المتحدة في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2001، "يجب أن نتحد في مكافحة جميع الإرهابيين، وليس فقط بعضهم ... فليس لأي طموح وطني، ولا أية مظالم في الذاكرة، أن تبرر أبدا قتل الأبرياء ... إن حلفاء الإرهاب مذنبون بصفة متساوية بجرائم القتل وهم مسؤولون بالنحو ذاته أمام العدالة".

ولكن بينما كان بوش يتحدث، كان يجلس بين المستمعين وضمن الوفد الذي يترأسه بوش، إليوت أبرامز الذي كان وما يزال أحد كبار صانعي السياسة في إدارة بوش حول إسرائيل/فلسطين، والذي أدار خلال عقد الثمانينات الدعم الذي قدمته الولايات المتحدة لعمليات القتل الإرهابية ضد المدنيين في غواتيمالا والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا (حيث استهدف المعتدون "الأهداف الرقيقة" مثل التعاونيات الزراعية، بحسب وصف الجنرال الأمريكي جون غالفين).

ومع ذلك لم ينهي الرئيس خطابه بالطلب من جهاز الأمن في الأمم المتحدة أن يضع الأصفاد بيدي السيد أبرامز.

كما لم يتوجه الرئيس بوش إلى مديرية الشرطة في مدينة نيويورك كي يسلم نفسه بسبب ما كان يحدث في تلك اللحظة بالضبط من قصف للقرى الأفغانية، أو بسبب تسليح وتدريب وتمويل أنظمة الحكم في عشرات من البلدان الحليفة للولايات المتحدة في شتى أنحاء العالم الذين اعتادوا على قتل الأبرياء.

وما كان أي من المرشحين المحتملين لمنصب رئيس الولايات المتحدة سيتصرف بطريقة مختلفة.

فجميعهم دعموا اجتياح أفغانستان (رغم الاختلافات بينهم فيما يخص العراق)، كما لم يرفض أي منهم الممارسة الأمريكية الروتينية بتقديم الدعم سنويا للأنظمة المجرمة (مرر الكونغرس لتوه قانوني مخصصات كبيرة لعمليات الدفاع والخارجية، ويتضمنان تقديم دعم فتاك لكولمبيا والسعودية ومصر وإسرائيل والعراق والكونغو وباكستان وأندونيسيا ودول أخرى عديدة)، وكذلك (وهذا أمر مهم جدا) لم يطالب أي منهم بمحاكمة المسؤولين الأمريكيين بسبب تلك الأعمال وما يشابهها.

وتماثل ذلك قصة حالات الموت التي يمكن منعها. فالولايات المتحدة تعارض أية إجراءات جدية في هذا الشأن، رغم وجود مساعدات غذائية وبرامج للصحة العالمية، كما أن بيل كلنتون أنشأ مؤسسة تقوم بإنقاذ حياة بعض الناس (إضافة إلى أن هذه المؤسسة تعمل كوسيط لتمرير أموال التبرعات الكبيرة لأسرة كلنتون).

ولكن القيام بالخطوة السهلة من الناحية النظرية بتحويل قدر كافي من الثروة من أجل إيقاف الجوع، وإيقاف الأطفال من الموت بسبب الإسهال في أي مكان في العالم، فهذا أمر لم يطالب به أي من المرشحين المحتملين للرئاسة.

وإذا رغبت الولايات المتحدة بتحقيق تلك الأهداف لكانت قد حققتها، ولكان ملايين الأشخاص الذين ماتوا ما زالوا على قيد الحياة الآن. ولكن الولايات المتحدة لم ترغب بتحقيقها أكان ذلك خلال إدارات الرؤساء الجمهوريين أو خلال رئاسة كلنتون/غور.

بل لو رغب مايكل بلومبرغ شخصيا بتحقيق ذلك، لكان الأطفال الذين ماتوا بسبب سوء التغذية خلال العام الماضي ويبلغ عددهم خمسة ملايين تقريبا، قد حصلوا على الطعام وظلوا أحياءا، وذلك من مال بلومبرغ شخصيا، إذ أنه يملك ما يقدر بـ 11 ونصف مليار دولار بحسب أرقام مجلة فوربز.

هذه هي الديمقراطية في إمريكا.

يحق لك أن تدلي بصوتك، ولكن لا يتوفر لديك خيار، على الأقل إذا كنت ترغب بالتصويت ضد القتل ومن أجل الإبقاء على حياة الأطفال الجياع.

لا يوجد خيار إلا إذا قمت أن بفرض الخيار. وما يزال الأمريكيون لم يحصلوا على هذا الخيار.

ملاحظة للقراء: مدونة أخبار وتعليقات تسعى للحصول على مساعدة في ترجمة مواد المدونة إلى لغات أخرى، وكذلك في نشر محتويات المدونة على نطاق أوسع. يرجى من المهتمين الاتصال من خلال وصلة الإيميل أدناه.

Email Me